ولم يعرف آدمي موضع قبره إلى اليوم وكان موسى يوم توفي ابن مائة وعشرين سنة لم ينقص بصره ولا تحركت أسنانه فنعاه بنو إسرائيل في أوطنة مواب ثلاثين يوماً وأكملوا نعيه ثم إن يشوع ابن نون امتلأ من روح الله إذ جعل موسى يديه عليه وسمع له بنو إسرائيل وفعلوا ما أمر الله به موسى ولم يخلف موسى في بني إسرائيل نبي مثله ولا من يكلمه الله مواجهة في جميع عجائبه التي فعل على يديه بأرض مصر في فرعون مع عبيده وجميع أهل مملكته ولا من صنع ما صنع موسى في جماعة بني إسرائيل

قال أبو محمد رضي الله عنه : هذا آخر توراتهم وتمامها وهذا الفصل شاهد عدل وبرهان تام ودليل قاطع وحجة صادقة في أن توراتهم مبدلة وأنها تاريخ مؤلف كتبه لهم من تحرض بجهله أو تعمد بفكره وأنها غير منزلة من عند الله تعالى إذ لا يمكن أن يكون هذا الفصل منزلاً على موسى في حياته فكان يكون أخباراً عنهما لم يكن بمساق ما قد كان وهذا هو محض الكذب تعالى الله عن ذلك وقوله لم يعرف قبره آدمي إلى اليوم بيان لما ذكرنا كاف وأنه تاريخ ألف بعد دهر طويل ولابد

قال أبو محمد رضي الله عنه : ها هنا انتهى ما وجدنا من التوراة لليهود التي اتلق عليها الربانيون والعانانيون والعيسويون والصدوقيون منهم مع النصارى أيضاً بلا خلاف منهم فيها من الكذب الظاهر في الأخبار وفيما يخبر به عن الله تعالى ثم عن ملائكته عن رسله عليهم السلام من المناقضات الظاهرة والفواحش المضافة إلى الأنبياء عليهم السلام ولو لم يكن فيها إلا فصل واحد من الفصول التي ذكرنا لكان موجباً ولابد لكونها موضوعة محرفة مبدلة مكذوبة فكيف وهي سبعة وخمسون فصلاً من جملتها فصول تجمع الفصل الواحد منها سبع كذبات أو مناقضات فأقل سوى ثمانية عشر فصلاً تتكاذب فيها نص توراة اليهود مع نص تلك الأخبار بأعيانها عند النصارى والكذب لائح ولابد في إحدى الحكايتين فما ظنكم بمثل هذا العدد من الكذب والمناقضة في مقدار توراتهم وإنما هي مقدار مائة ورقة وعشرة أوراق في كل صفحة منها من ثلاثة وعشرين سطراً إلى نحو ذلك بخط هو إلى الانفساح أقرب يكون في السطر بضع عشرة كلمة

قال أبو محمد رضي الله عنه : ونحن نصف إن شاء الله تعالى حال كون التوراة عند بني إسرائيل من أول دولتهم إثر موت موسى عليه السلام إلى انقراض دولتهم إلى رجوعهم إلى بيت المقدس إلى أن كتبها لهم عزرا الوراق بإجماع من كتبهم واتفاق من علمائهم دون خلاف يوجد من أحد منهم في ذلك وما اختلفوا فيه من ذلك نبهنا عليه ليتيقن كل ذي فهم أنها محرفة مبدلة وبالله تعالى نستعين

قال أبو محمد رضي الله عنه : دخل بنو إسرائيل الأردن وفلسطين والغور مع يوشع بن نون مدبر أمرهم عليه السلام إثر موت موسى عليه السلام ومع يوشع العازار بن هارون عليه السلام صاحب السرادق بما فيه وعنده التوراة لا عند أحد غيره بإقرارهم فدبر يوشع عليه السلام أمرهم في استقامة وألزمهم للدين إحدى وثلاثين سنة مذ مات موسى عليه السلام إلى أن مات يوشع ثم دبرهم فيخاس بن العازار بن هارون وهو صاحب السرادق والكوهن الأكبر والتوراة عنده لا عند أحد غيره خمساً وعشرين سنة في استقامة والتزام للدين ثم مات وطائفة منهم عظيمة يزعمون أنه حي إلى اليوم وثلاثة أنفس إليه وهم الياس النبي الهاروني عليه السلام ومليكصيذق بن فالج بن عابر بن ارفحشاذ بن سام بن نوح عليه السلام والعبد الذي بعثه إبراهيم عليه السلام فلما انقضت المدة المذكورة لفيخاس بن العزار كفر بنو إسرائيل وارتدوا كلهم وعبدوا الأوثان علانية فملكهم كذلك ملك صور وصيدا مدة ثمانية أعوام على الكفر.

ثم دبر أمرهم عسال بن كنار بن أخي كالب بن يفنة بن يهوذا أربعين سنة على الإيمان ثم مات فكفر بنو إسرائيل كلهم وارتدوا وعبدوا الأوثان علانية فملكهم كذلك عقلون ملك بني مواب ثمان عشرة سنة على الكفر ثم دبر أمرهم أهوذ بن قاراقيل أنه من سبط أفرايم وقيل من سبط بنيامين واختلف أيضاً في مدة رئاسته فقيل ثمانون سنة وقيل وخمس وخمسون سنة على الإيمان إلى أن مات ثم دبرهم سمعان بن غاث بن سبط أشار خمساً وعشرين سنة على الإيمان ثم مات فكفر بنو إسرائيل كلهم وعبدوا الأوثان جهاراً فملكهم كذلك مراش الكنعاني عشرين سنة على الكفر ثم دبرت أمرهم دبورا النبتية من سبط يهوذا وكان زوجها رجلاً يسمى السدوث من سبط أفرايم إلى أن ماتت وهم على الإيمان فكان مدة تدبيرها لهم أربعون سنة فلما ماتت كفر بنو إسرائيل كلهم وارتدوا وعبدوا الأوثان جهاراً فملكهم عوزيب وزاب ملك بني مدين سبع سنين على الكفر ثم دبر أمرهم جدعون بن بواس من سبط أفرايم وقيل بل من سبط منسي وهم يصفون أنه كان نبياً وكان له واحد وسبعون ابناً ذكوراً فملكهم على الإيمان أربعين سنة ثم مات وولي ابنه أبو ملك ابن جدعون وكان فاسقاً خبيث السيرة فارتد جميع بني إسرائيل وكفروا وعبدوا الأوثان جهاراً وأعانه أخواله من أهل نابلس من بني إسرائيل من سبط يوسف بتسعين ديراً من بيت ماعل الصنم ومضوا معه فقتل جميع إخوته حاشا واحداً منهم أفلت

وبقي كذلك ثلاث سنين إلى أن قتل ودبرهم بعده مولع بن قوامن سبط يساخر ولم نجد بياناً هل كان على الإيمان أو على الكفر خمساً وعشرين سنة ثم مات ثم دبر أمرهم بعدها بابين بن جلعاد من سبط منسي اثنين وعشرين عاماً على الإيمان إلى أن مات وكان له اثنان وثلاثون ولداً ذكوراً قد ولي كل واحد منهم مدينة من مدائن بني إسرائيل فارتد بنو إسرائيل كلهم بعد موته وعبدوا الأوثان جهاراً وملكهم بنوا عمون ثلاث عشرة سنة متصلة على الكفر ثم قام فيهم رجل من سبط منسي اسمه هيلع بن جلعاد ولا يختلفون في أنه كان ابن زانية وكان فاسقاً خبيث السيرة نذران أظفره الله بعدوه أن يقرب لله سبحانه أول من يلقاه من منزله فأول من لقيه ابنته ولم يكن له ولد غيرها فوفي بنذره وذبحها قرباناً وكان في عصره نبي فلم يلتفت إليه وأنه قتل من بني أفرايم اثنين وأربعين ألف رجل فملكهم ست سنين ثم مات فوليهم بعده أفصات من سبط يهوذا من سكان بيت لحم وكان له ثلاثون ابناً ذكوراً فوليهم سبع سنين وقيل ست سنين ثم مات والأظهر من حاله على ما توجبه أخبارهم الاستقامة ووليهم بعده إيلون من سبط زبلون عشر سنين إلى أن مات.

وولي بعده عبدون بن هلال بن سبط أفرايم ثماني سنين على الإيمان وكان له أربعون ولداً ذكوراً فلما مات ارتد بنو إسرائيل كلهم وكفروا وعبدوا الأوثان جهاراً فملكهم الفلسطينيون وهم الكنعانيون وغيرهم أربعين سنة على الكفر ثم دبرهم شمشون ابن مانوح من سبط داني وكان مذكوراً عندهم بالفسق واتباع الزواني فدبرهم عشرين سنة وينسبون إليه المعجزات ثم أسر ومات فدبر بنو إسرائيل بعضهم بعضاً في سلامة وإيمان أربعين سنة بلا رئيس يجمعهم ثم دبرهم الكاهن الهاروني على الإيمان عشرين سنة إلى أن مات ثم دبرهم مشموال بن فتان النبي من سبط أفرايم قبل عشرين سنة وقيل أربعين سنة كل ذلك في كتبهم على الإيمان وذكروا أنه كان له ابنان قوهال وببايجوران في الحكم ويظلمان الناس وعند ذلك رغبوا إلى شموال أن يجعل لهم ملكاً فولى عليهم شاول الدباغ بن قيش بن انيل بن شارون بن بورات بن آسيا بن خس من سبط بنيامين وهو طالوت فوليهم عشرين سنة وهو أول ملك كان لهم ويصفونه بالنبوة وبالفسق والظلم والمعاصي معاً وأنه قتل من بني هارون نيفاً وثمانين إنساناً وقتل نسائهم وأطفالهم لأنهم أطعموا داود عليه السلام خبزاً فقط فاعلموا الآن أنه كان مذ دخلوا الأرض المقدسة إثر موت موسى عليه السلام إلى ولاية أول ملك لهم وهو شاول المذكور سبع ردات فارقوا فيها الإيمان وأعلنوا بعبادة الأصنام فأولها بقوا فيها ثمانية أعوام والثانية ثمانية عشر عاماً والثالثة عشرين عاماً والرابعة سبعة أعوام والخامسة ثلاثة أعوام وربما أكثر والسادسة ثمانية عشر عاماً والسابعة أربعين عاماً.

فتأملوا أي كتاب يبقى مع تمادي الكفر ورفض الإيمان هذه المدد الطوال في بلد صغير مقدار ثلاثة أيام في مثلها فقط ليس على دينهم واتباع كتابهم أحد على ظهر الأرض غيرهم.

ثم مات شاول المذكور مقتولاً وولى أمرهم داود عليه السلام وهم ينسبون إليه الزنا علانية بأم سليمان عليه السلام وأنها ولدت منه من الزنا ابناً مات قبل ولادة سليمان فعلى من يضيف هذا إلى الأنبياء عليهم السلام ألف ألف لعنة وينسبون إليه أنه قتل جميع أولاد شاول لذنب أبيهم حاشا صغيراً مقعداً كان فيهم فقط وكانت مدته عليه السلام أربعين سنة.

ثم ولي سليمان عليه السلام وقد وصفوه بما ذكرنا قبل وذكروا عنه أن نفقته فرضها على الأسباط لكل سبط شهر من السنة وأن جنده كانوا اثني عشر ألف فارس على الخيل وأربعين ألفاً على الرمك خلافاً لما في التوراة أن لا يكثروا من الخيل وهو بني الهيكل في بيت المقدس وجعل فيه السرادق والمذبح والمنارة الآن والقربان والتوراة والتابوت وسكينة بني هارون فكانت ولايته أربعين سنة ثم مات عليه السلام فافترق أمر بني إسرائيل فصار بنو يهوذ وبنو بنيامين لبني سليمان بن داود عليه السلام في بيت المقدس وصار ملك الأسباط العشرة الباقية إلى ملك آخر منهم يسكن بنابلس على ثمانية عشر ميلاً من بيت المقدس وبقوا كذلك إلى ابتداء إدبار أمرهم على ما نبين إن شاء الله تعالى فنذكر بحول الله تعالى وقوته أسماء ملوك بني سليمان عليه السلام وأديانهم ثم نذكر ملوك الأسباط العشرة وبالله عز وجل نتأيد ليرى كل واحد كيف كانت حال التوراة والديانة في أيام دولتهم

قال أبو محمد رضي الله عنه : ولي أثر موت سليمان بن داود عليه السلام ابنه رحبعام بن سليمان وله ست عشرة سنة وكانت ولايته سبعة عشر عاماً فأعلن الكفر طول ولايته وعبد الأوثان جهاراً هو وجميع رعيته وجنده بلا خلاف منهم ويقولون أن جنده كانوا مائة ألف وعشرين ألفاً مقاتلاً وفي أيامه غزي ملك مصر في سبعة آلاف فارس وخمسة عشر ألف رجل إلى بيت المقدس فأخذها عنوة بالسيف وهرب رحبعام وانتهب ملك مصر المدينة والقصر والهيكل وأخذ كل ما فيها ورجع إلى مصر سالماً غانماً ثم مات رحبعام على الكفر فولي مكانه ابنه أبياوهل ثمان عشرة سنة فبقي على الكفر هو وجنده ورعيته وعلى عبادة الأوثان علانية وكانت ولايته ست سنين ويقولون قتل من الأسباط العشرة في حروبه معهم خمسمائة ألف إنسان ثم ولي بعد موته ابنه اشا بن ابيا وله عشر سنين وكان مؤمناً فهدم بيوت الأوثان وأظهر الإيمان وبقي في ولايته إحدى وأربعين سنة على الإيمان وذكروا أن جنده كانوا ثلاثمائة ألف مقاتل من بني يهوذا واثنين وخمسين ألفاً من بني بنيامين ومات وولي بعده ابنه يهوشافاط بن اشا وهو ابن خمس وثلاثين سنة فكانت ولايته خمساً وعشرين سنة وذكروا عنه أنه كان على الإيمان إلى أن مات فولي ابنه يهورام بن يهوشافاط ولم نجد أمر سيرته ودينه إلا أنه كان مؤلفاً العبادة الأوثان من ملوك سائر الأسباط وولي له اثنان وثلاثون سنة وكانت ولايته ثمانية أعوام ومات فولي مكانه ابنه اخزيا وله اثنان وعشرون سنة فأظهر الكفر وعبادة الأصنام في جميع رعيته وكانت ولايته سنة وقتل فوليت أمه عثليا بنت عمري ملك العشرة الأسباط فتمادت على أشد ما يكون من الكفر وعبادة الأوثان وقتلت الأطفال وأمرت بإعلان الزنا في البيت المقدس وجميع عملها وعهدت أن لا تمنع امرأة ممن أراد الزنا معها وعهدت أن لا ينكر ذلك أحد فبقيت كذلك ست سنين إلى أن قتلت فولي ابن ابنها يواش بن اخزيا وله سبع سنين فاتصلت ولايته أربعين سنة وأعلن الكفر وعبادة الأوثان وقتل زكريا النبي عليه السلام بالحجارة ثم قتله غلمانه فولي بعده ابنه امصيا بن يواش وله خمس وعشرون سنة

فأعلن الكفر وعبادة الأوثان هو وجميع رعيته فبقي كذلك إلى أن قتل وهو على الكفر وكانت ولايته تسعاً وعشرين سنة وفي أيامه انتهب ملك الأسباط العشرة البيت المقدس وأغاروا على كل ما فيه مرتين ثم ولي بعده عزيا بن امصيا وله ست عشرة سنة فأعلن الكفر وعبادة الأوثان هو وجميع رعيته إلى أن مات وكانت ولايته اثنين وخمسين سنة وهو قتل عاموص النبي عليه السلام الداوودي فولي بعده ابن يوثام بن عزيا وله خمس وعشرون سنة ولم نجد له سيرة وكانت ولايته ست عشرة سنة فمات فولي مكانه ابنه احاز بن يوثام وله عشرون سنة فأعلن الكفر وعبادة الأوثان وكانت ولايته ست عشرة سنة فأعلن الكفر وعبادة الأوثان إلى أن مات فولي بعده ابنه حزقيا بن اجاز وله خمس وعشرون سنة وكانت ولايته تسعاً وعشرين سنة فأظهر الإيمان وهدم بيوت الأوثان وقتل خدمتهما وبقي على الإيمان إلى أن مات هو وجميع رعيته وفي السنة السابعة من ولايته انقطع ملك العشرة الأسباط من بني إسرائيل وغلب عليهم سليمان الأعسر ملك الموصل وسباهم ونقلهم إلى أمد وبلاد الجزيرة وسكن في بلاد الأسباط العشرة أهل أمد والجزيرة فأظهروا دين السامرة الذين هناك إلى إلى اليوم ثم مات حزقيا وولي بعده ابنه منسي بن حزقيا وله ثنتا عشرة سنة ففي السنة الثالثة من ملكه أظهر الكفر وبنى بيوت الأوثان وأظهر عبادتها هو وجميع أهل مملكته وقتل شعيا النبي قيل نشره بالمنشار من رأسه إلى مخرجه وقيل قتله بالحجارة وأحرقه بالنار والعجب كله أنهم يصفون في بعض كتبهم بأن الله أوحى إليه مع ملك من الملائكة

وأن ملك بابل كان أسره وحمله إلى بلده وأدخله في ثور نحاس وأوقد النار تحته فدعا الله فأرسل إليه ملكاً فأخرجه من الثور ورده إلى بيت المقدس وأنه تمادى مع ذلك كله على كفره حتى مات وكانت ولايته خمساً وخمسين سنة فقولوا يا معشر السامعين بلد تعلن فيه عبادة الأوثان وتبني هياكلها ويقتل من وجد فيه من الأنبياء كيف يجوز أن يبقى فيه كتاب الله سالماً أم كيف يمكن هذا فلما مات منسي ولي مكانه ابنه أمون بن منسي وهو ابن اثنين وعشرين عاماً فكانت ولايته سنتين على الكفر وعبادة الأوثان إلى أن مات فولي مكانه ابنه يوشيا بن آمون وهو ابن ثمان سنين ففي السنة الثالثة من ملكه أعلن الإيمان وكسر الصلبان وأحرقها واستأصل هياكلها وقتل خدامها ولم يزل على الإيمان إلى أن قتل قتله ملك مصر وفي أيامه أخذ أرميا النبي السرداق والتابوت والنار وأخفاها حيث لا يدري أحد لعلمه بفوت ذهاب أمرهم ثم ولي بعده ابنه يهوخار بن يوشيا وهو ابن ثلاث وعشرين سنة فرد الكفر وأعلن إلى عبادة الأوثان وأخذ التوراة من الكاهن الهاروني ونشر منها أسماء الله حيث وجدها وكانت ولايته ثلاثة أشهر وأسره ملك مصر فولي مكانه الياقيم بن يوشيا أخوه وهو ابن خمس وعشرين سنة فأعلن الكفر وبنى بيوت الأوثان هو وجميع أهل مملكته وقطع الدين جملة وأخذ التوراة من الهاروني فأحرقها بالنار وقطع أثرها وكانت ولايته إحدى عشرة سنة ومات فولي مكانه ابنه يهوباكين بن الياقيم وتلقب نخيا وهو ابن ثمان عشرة سنة فأقام على الكفر وأعلن عبادة الأوثان وكانت ولايته ثلاثة أشهر وأسره بخت نصر فولي مكانه عمه متينا بن يوشيا وتلقب صدقيا وهو ابن إحدى وعشرين سنة فثبت على الكفر وأعلن عبادة الأوثان هو وجميع أهل مملكته وكانت ولايته إحدى عشر سنة وأسره بخت نصر وهدم البيت والمدينة واستأصل جميع بني إسرائيل وأخلى البلد منهم وحملهم مسبيين إلى بلاد بابل وهو آخر ملوك بني إسرائيل وبني سليمان جملة فهذه صفة ملوك بني سليمان بن داود عليهما السلام.

فاعلموا الآن أن التوراة لم تكن من أول دولتهم إلى انقضائها إلا عند الهاروني الكوهن الأكبر وحده في الهيكل فقط وأما ملوك الأسباط العشرة فلم يكن فيهم مؤمن قط ولا واحد فما فوقه بل كانوا معلنين بعبادة الأوثان مخيفين للأنبياء مانعين القصد إلى بيت المقدس لم يكن فيهم نبي قط إلا مقتولاً أو هارباً مخافاً.

فإن قيل أليس قد قتل الياس جميع أنبياء بابل لأجل الوثن الذي كان يعبده الملك والنخلة التي كانت تعبدها بني إسرائيل وهم ثمانمائة وثمانون رجلاً.

قلنا إنما كان ذلك بإقرار كتبهم في مشهد واحد ثم هرب ومن وقته وطلبته امرأة الملك لتقتله وما بصره أحد فأول ملوك الأسباط العشرة يربعام بن نابطا الافرايمي وليهم إثر موت سليمان النبي ﷺ فعمل من حينه عجلين من ذهب وقال هذان إلا إلاهاكم اللذان خلصاكم من مصر وبنى لهما هيكلين وجعل لهما سدنة من غير بني لاوي وعبدهما هو وجميع أهل مملكته ومنعهم من المسير إلى بيت المقدس وهو كان شريعتهم لا شريعة لهم غير القصد إليه والقربان فيه فملك أربعاً وعشرين سنة ثم مات وولي ابنه ناداب بن يربعام على الكفر المعلن سنتين ثم قتل هو وجميع أهل بيته وولى بعشا بن ايلة من بني يساكر على عبادة الأوثان علانية أربع وعشرين سنة وولي ولده ايلة بن بعشا على الكفر وعبادة الأوثان سنتين إلى أن قام عليه رجل من قواده اسمه زمري فقتله وجميع أهل بيته وولي زمري سبعة أيام فقتل وأحرق عليه داره وافترق أمرهم على رجلين أحدهما يسمى تبني بن جينة والآخر عمري فبقيا كذلك اثنتي عشرة عاماً ثم مات تبني وانفرد بملكهم عمري فبقي كذلك ثمانية أعوام على الكفر وعبادة الأوثان إلى أن مات وولي بعده ابنه اخاب بن عمري على أشد ما يكون من الكفر وعبادة الأوثان إحدى وعشرين سنة وفي أيامه كان الياس النبي عليه السلام هارباً عنه في الفلوات وعن امرأته بنت ملك صيدا وهما يطلبانه للقتل ثم مات اخاب وولي ابنه اخزيا بن أخاب على الكفر وعبادة الأوثان ثلاث سنين ثم مات وولي مكانه أخوه يهورام ابن أخاب على الكفر وعبادة الأوثان اثنتي عشرة سنة إلى أن قتل هو وجميع أهل بيته وفي أيامه كان اليسع عليه السلام

وولي مكانه ياهو بن نمشي من سبط منسي فكان أقلهم كفراً هدم هياكل ما على الوثن وقتل سدنته إلا أنه لم ينقص قطع عبادة الأوثان بل ترك الناس عليها ولم يظهر الإيمان فولي كذلك ثمانية وعشرين سنة ومات وولي مكانه ابنه يهواحاز بن ياهو سبع عشرة سنة فبنى بيوت الأوثان وأعلن عبادتها هو ورعيته إلى أن مات وفي كتبهم أن أمر الأسباط العشرة ضعف في أيامه حتى لم يكن معه من الجند إلا خمسون فارساً وعشرة آلاف رجل فقط لأن ملك دمشق غلب عليهم وقتلهم وولي مكانه ابنه يواش بن يهواحاز ست عشرة سنة على أشد من كفر أبيه وأخذ في عبادة الأوثان وهو الذي غزا بيت المقدس وأغار عليه وعلى الهيكل وأخذ كل ما فيه وهدم من سور المدينة أربعمائة ذراع وهرب عنه ملك يهوذا ثم مات وولي مكانه ابنه بارنعام بن يواش خمساً وأربعين سنة على مثل كفر أبيه وعبادة الأوثان وغزا أيضاً بيت المقدس وهرب أمامه ملكها الداوودي فأتبعه فقتله ثم مات وولي مكانه ابنه زخريا بن بارنعام بن يواش بن يهواحاز بن ياهو بن نمسي ستة أشهر على الكفر وعبادة الأوثان إلى أن قتل هو وجميع أهل بيته وولي مكانه شلوم ابن نامس من سبط نفتالي فملك شهراً واحداً على الكفر وعبادة الأوثان ثم قتل وولي بعده مياخيم بن قارا من سبط يساكر عشرين سنة على عبادة الأوثان والكفر ومات.

وولي مكانه ابنه محيا بن مياخم على الكفر وعبادة الأوثان سنتين إلى أن قتل هو وجميع أهل بيته وولي مكانه ناجح بن مليا من سبط داني فملك ثمانياً وعشرين سنة على الكفر وعبادة الأوثان إلى أن قتل هو وجميع أهل بيته.

وفي أيامه أجلي تباشر ملك الجزيرة بني روأبين وبني جاد ونصف سبط منسي من بلادهم بالغور وحملهم إلى بلاده وسكن بلادهم قوماً من بلادهم ثم ولي مكانه هوسيع بن إيلا من سبط جاد على الكفر وعبادة الأوثان سبع سنين إلى أن أسره كما ذكرنا سليمان الأعسر ملك الموصل وحمله والتسعة الأسباط ونصف سبط منسي إلى بلاده أسرى وسكن بلادهم قوماً من أهل بلده وهم السامرية إلى اليوم وهوسيع هذا آخر ملوك الأسباط العشرة وانقضى أمرهم فبقايا المنقولين من أمد والجزيرة إلى بلاد بني إسرائيل هم الذين ينكرون التوراة جملة وعندهم نزراة أخرى غير هذه التي عند اليهود ولا يؤمنون بنبي بعد موسى عليه السلام ولا يقولون بفضل بيت المقدس ولا يعرفونه ويقولون أن المدينة المقدسة هي نابلس فأمر توراة أولئك أضعف من توراة هؤلاء لأنهم لا يرجعون فيها إلى نبي أصلاً ولا كانوا هنالك أيام دولة بني إسرائيل وإنما عملها لهم رؤساهم أيضاً.

فقد صح يقيناً أن جميع أسباط بني إسرائيل حاشا سبط يهوذا وبنيامين ومن كان بينهم من بني هارون بعد سليمان عليه السلام مدة مائتي عام وواحد وسبعين عاماً لم يظهر فيهم قط إيمان ولا يوماً واحداً فما فوقه وإنما كانوا عباد أوثان ولم يكن قط فيهم نبي إلا مخاف ولا كان للتوراة عندهم لا ذكر ولا رسم ولا أثر ولا كان عندهم شيءٌ من شرائعها أصلاً مضى على ذلك جميع عامتهم وجميع ملوكهم وهم عشرون ملكاً قد سميناهم إلى أن أوجلوا ودخلوا في الأمم وتدينوا بدين الصابئين الذين كانوا بينهم متملكين وانقطع رسم رميمهم إلى الأبد فلا يعرف منهم عين أحد وظهر يقيناً أن بني يهوذا وبني بنيامين كانت مدة ملكهم بعد موت سليمان عليه السلام أربعمائة سنة على أعوام على اختلاف من كتبهم في ذلك في بضعة عشر عاماً وقد قلنا أنها كتب مدخولة فاسدة ملك هذين السبطين في هذه المدة من بني سليمان بن داود عليهما السلام تسعة عشر رجلاً ومن غيرهم امرأة تموا بها عشرين ملكاً قد سميناهم كلهم آنفاً كانوا كفاراً معلنين بعبادة الأوثان حاشا خمسة منهم فقط كانوا مؤمنين ولا مزيد وهم اشا بن أسا ولي إحدى وأربعين سنة وابنه يهوشافاط بن اشا ولي خمساً وعشرين سنة فهذه ستة وستون اتصل فيهم الكفر ظاهراً وعبادة الأوثان ثم ثمانية أعوام ليورام بن يهوشافاط لم نجد له حقيقة دين فحملناه على الإيمان لسبب أبيه ثم اتصل الكفر ظاهراً وعبادة الأوثان في ملوكهم وعامتهم مائة عام وستين عاماً مع كفر سائر أسباطهم فعمهم الكفر وعبادة الأوثان في أولهم وآخرهم فأي كتاب أو أي دين يبقى مع هذا ثم ولي حزقياً المؤمن تسعاً وعشرين سنة ثم اتصل الكفر بعد في عامتهم وملوكهم وعبادة الأوثان سبعاً وخمسين سنة

ثم ولي يوشا المؤمن الفاضل إحدى وثلاثين سنة ثم لم يل بعده إلا كافر معلن بعبادة الأوثان مدة اثنين وعشرين عاماً وستة أشهر منهم من نشر أسماء الله من التوراة ومنهم من أحرقها وقطع أثرها ولم نجد بعد هؤلاء ظهر فيهم إيمان إلا الكفر وقتل الأنبياء عليهم السلام إلى أن انقطع أمرهم جملة بغارة بخت نصر وسبوا كلهم وهدم البيت واستأصل أثره إلى غاراة كانت على مدينة بيت المقدس وهيكلها الذي لم يكن التوراة عند أحد إلا فيه لم يترك فيها شيء مرة أغار عليهم صاحب مصر أيام رحبعام بن سليمان ومرتين في أيام امصيا الملك من قبل صاحب العشرة الأسباط إلى أن أملها عليهم من حفظة عزرا الوراق الهاروني وهم مقرون أنه وجدها عندهم وفيها خللٌ كثير فأصلحه وهذا يكفي وكان كتابة عزرا للتوراة بعد أزيد من سبعين سنة من خراب بيت المقدس وكتبهم تدل على أن عزرا لم يكتبها لهم ويصلحها إلا بعد نحو أربعين عاماً من رجوعهم إلى البيت بعد السبعين عاماً التي كانوا فيها خالين ولم يكن فيهم حينئذ نبي أصلاً ولا القبة ولا التابوت واختلف في النار كانت عندهم أم لا ومن ذلك الوقت انتشرت التوراة ونسخت وظهرت ظهوراً ضعيفاً أيضاً ولم تزل تتداولها الأيدي مع ذلك إلى أن جعل أنطاكيوس الملك الذي بنى أنطاكية وثناً للعبادة في بيت المقدس وأخذ بني إسرائيل بعبادته وقربت الخنازير على مذبح البيت ثم تولى أمرهم قوم من بني هارون بعد مئين من السنين وانقطعت القرابين فحينئذ انتشرت نسخ التوراة التي بأيديهم اليوم وأحدث لهم أحبارهم صلوات لم تكن عندهم جعلوها بدلاً من القرابين وعملوا لهم ديناً جديداً ورتبوا لهم الكنائس في كل قرية بخلاف حالهم طول دولتهم

وبعد هلاك دولتهم بأزيد من أربعمائة عام وأحدثوا لهم اجتماعاً في كل سبت على ما هم عليه اليوم بخلاف ما كان طول دولتهم فإنه لم يكن لهم في شيءٍ من بلادهم بيت عبادة ولا مجمع ذكر وتعلم ولا مكان قربان قربة البتة إلا بيت المقدس وحده وموضع السرادق قبل بنيان بيت المقدس فقط وبرهان هذا أن في سفر يوشع بن نون بإقرارهم أن بني رأوبين وبني جاد ونصف سبط منسي إذ رجعوا بعد فتح بلاد الأردن وفلسطين إلى بلادهم بشرقي الأردن بنوا مذبحاً فهم يوشع بن نون وسائر بني إسرائيل بغزوهم من أجل ذلك حتى أرسلوا إليه أننا لم نقمه لا لقربان ولا لتقديس أصلاً ومعاذ الله أن نتخذ موضع تقديس غير المجتمع عليه الذي في السرادق وبيت الله فحينئذ كف عنهم ففي دون هذا كفاية لمن عقل في أنها كتاب مبدل مكذوب موضوع ودين معمول خلاف الدين الذي يقرون أن موسى عليه السلام أتاهم به وما يزيد الشيطان منهم أكثر من هذا ولا في الضلال فوق هذا ونعوذ بالله من الخذلان وأيضاً فإن في التوراة التي ترجمها السبعون شيخاً لبطليموس الملك بعد ظهور التوراة وفشوها هي مخالفة للتي كتبها لهم عزرا الوراق وتدعي النصارى أن تلك التي ترجم السبعون شيخاً في اختلاف أسنان الآباء بين آدم ونوح عليهما السلام التي من أجل ذلك الاختلاف تولد بين تاريخ اليهود وتاريخ النصارى زيادة ألف عام ونيف على ما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى فإن كان هو كذلك فقد وضح اليقين وكذب السبعين شيخاً وتعمدهم لنقل الباطل وهم الذين عنهم أخذوا دينهم وأفٍ أفٍ لدين أخذ عن متيقن كذبه.

وايضاً فإن في السفر الخامس من أسفار التوراة الذي يسمونه التكرار أن الله تعالى قال لموسى اصنع لوحين على حال الأولين واصعد إلى الجبل واعمل تابوتاً من خشب لأكتب في اللوحين العشر كلمات التي أسمعكم السيد في الجبل من وسط اللهيب عند اجتماعكم إليه وبري بهما إلي فانصرفت من الجبل وجعلتهما في التابوت وهما فيه إلى اليوم وفي السفر المذكور أيضاً بعد هذا الفصل قال ومن بعد أن كتب موسى هذه العهود في مصحف واستوعبها أمر بني لاوي حاملي تابوت عهد الرب وقال لهم خذوا هذا المصحف واجعلوه في المذبح واجعلوا عليه تابوت عهد الرب إلهكم ليكون عليكم شاهداً وقال قبل ذلك في السفر المذكور أيضاً إذا استجمعتم على تقديم ملك عليكم على حال ملوك الأجناس فلا تقدموا إلا من ارتضاه الرب من عدد إخوتكم ولا تقدموا أجنبياً على أنفسكم إلى أن قال فإذا قعد على سرير ملكه فليكتب من هذا التكرار في مصحف ما يعطيه الكوهن المتقدم من بني لاوي بما يشاكله ويكون ذلك معه فيقرأه كل يوم طول ولايته ليخاف الرب إلهه ويذكر كتابه وعهده فهذا كله بيان واضح بصحة ما قلنا من أن العشر كلمات ومصحف التوراة إنما كان في الهيكل فقط تحت تابوت العهد وفي التابوت فقط عند الكوهن الأكبر وحده لأنه بإجماعهم لم يكن يصل إلى ذلك الموضع أحد سواه وفيه أيضاً أنه أمر أن يكتب الكوهن المذكور من السفر الخامس فقط شيئاً يمكن أن يقرأه الملك كل يوم ومثل هذا لا يكون إلا يسيراً جداً ورقة أو نحو ذلك مع أنهم لا يختلفون في أنه لم يلتفت إلى ذلك ألبتة بعد سليمان عليه السلام أحد من ملوكهم إلا أربعة أو خمسة كما قدمنا فقط من جملة أربعين ملكاً وأيضاً فإنه قال في السفر المذكور ثم كتب موسى هذا الكتاب وبري به إلى الكهنة من بني لاوي الذين كانوا يحسنون عهد الرب وقال لهم موسى إذا اجتمعتم للتقديس بين يدي الرب إلهكم في الموضع الذي تخيره الرب فاقرؤا ما في هذا المصحف في جماعة بني إسرائيل عند اجتماعهم فقط يسمعوا ما يلزمهم

قال أبو محمد رضي الله عنه : وفي نص توراتهم أنهم كانوا لا يلزمهم المجيء إلى بيت المقدس إلا ثلاث مرات في كل سنة فقط فإنما أمر بنص التوراة كما أوردنا أن يقرأها عليهم الكوهن الهاروني عند اجتماعهم فقط فثبت أنها لم تكن إلا في الهيكل فقط عند الكوهن الهاروني فقط لا عند أحد سواه وقد أوضحنا قبل أن العشرة الأسباط لم يدخل قط بيت المقدس منهم أحد بعد موت سليمان عليه السلام إلى أن انقطعوا وأن بني يهوذا وبنيامين لم يجتمعوا إليه إلا في عهد الملوك الخمسة المؤمنين فقط فظهر بهذا كلما قلنا وصح تبديلها بيقين ولاشك في أن تلك المدة الطويلة التي هي أربعمائة سنة غير شيء قد كان في الكهنة الهارونيين ما كان في غيرهم في الكفر والفسق وعبادة الأوثان كالذي يذكرون عن ابني علي الهاروني وغيرهما ممن يقرؤن في كتبهم أنهم خدموا الأوثان وبيوتها من بني هارون وبني لاوي ومن هذه صفته فلا يؤمن عليه تغيير ما ينفرد به وهذه كلها براهين أضوء من الشمس على صحة تبديل توراتهم وتحريفها

قال أبو محمد رضي الله عنه : إلا سورة واحدة ذكر في توراتهم أن موسى عليه السلام أمر بأن تكتب وتعلم جميع بني إسرائيل ليحفظوها ويقوموا بها ولا يمتنع أحد من نسلهم من حفظها وهذا نصها حرفاً بحرف اسمعي يا سموات قولي وتسمع الأرض كلامي يكثر كالمطر وبل كالرذاذ كلامي ويكون كالمطر على العشب وكالرذاذ على الخصب لأني أنادي باسم الرب فيعظمه الرب الهنا الذي أكمل خلقته واعتدلت أحكامه الله الأمين الذي لا يجوز العدل القيوم أذنب لديه غير أوليائه ومحت الأمة العاصية المستحيلة وهذا شكر للرب يا أمة جاهلة قيمة أما هو أبوكم الذي خلقكم ومليكم فتذكروا القديم وفكروا في الأجناس وسلوا ىباكم فيعلمونكم وأكابركم فيعرفونكم إذا كان يقسم العلي الأجناس ويميز بين يد آدم جعل قسمة الأجناس على حساب بني إسرائيل فهم الرب أمته ويعقوب قسمته وجده في الأرض المقفرة وفي موضع قبيح غير مسلوك فأطلقه وأقبل به وحفظه كحفظ الشعر للعين وأطارهم كما يستطير العقاب بفراخها وتحوم عليها وتبسط جناحها حفظاً لها فأقبل بهم وحملهم على منكبيه فالرب وحده كان قائدهم ولم يكن معه إله غيره فجعلهم في أشرف أرضه ليأكلوا خبزها ويصيبوا عسل حجارتها وزيت جنادلها وسمن مواشيها ولبن ضأنها وشحوم خرفانها وكباش بني بلسان ولحوم التيوس لبان البر ودم العنب وتعاصوا سمنوا ودبروا وأشعوا ثم تخلوا من الله خالقهم وكفروا بالله مسلمهم فألجوه لعبادتهم الأوثان إلى أن سخط عليهم ولسجودهم للشيطان لا لله ولسجودهم لإلهه الأجناس كانوا يجهلونها

ولم يعدها قبلهم آباؤهم فتخلوا من الله الذي ولدهم فنسبو الرب خالقهم فبصر الرب بهذا وغضب له إذ تحلى بنوه وبناته فقال اخفي وجهي عنهم حتى أعلم آخر أمرهم فإنها أمة كافرة عاصية وقد أسخطوني بعبادة من ليس إلهاً وأغضبوني بفواحشهم وسأغيرهم على يدي أمة ضعيفة وأخف بهم على يدي أمة جاهلة ويتقدم غضبي نار تحرق إلى الهواء فتأتي على الأرض بمعاتسته وتذهب أصول الجبال فأجمع عليهم بأس وأثقبهم بنبلي وأهلكهم جوعاً وأجعلهم طعماً للطير وأسلط عليهم أنياب السباع وأعصب عليهم الحياة فإن برزوا أهلكتهم رماحاً وإن تحصنوا أهلكت الشاب منهم والعذار والطفل والشيخ رعباً حتى أقول أين هم فأقطع من الأرض ذكرهم لكني رفهت عنهم لشدة حرد أعدائهم لئلا يزهوا ويقولوا أيدينا القوة فعلت لا الرب فهذه الأمة لا أرى لها ولا تمييز فليتها عرفت وفهمت وأبصرت ما يدركها في آخر أمرها كيف يتبع واحد منهم ألفاً ويفر عن اثنين عشرة آلاف أما هذا بأن ربهم أسلمهم وربهم أعلق فيهم ليس إلهنا مثل آلهتهم وصار حكماً كرمهم من كرم سدوم وعناقيدهم من أرباض عامورا فعناقيدهم عناقيد المرارة وشرابهم مرارة الثعابيبن ومن السم الذي لا دواء له أما هذا في علمي ومعروف في خزائني لي الانتقام وأنا أكافىء في وقته فترهق أرجلكم فكان قد حان وقت خرابهم وإلى ذلك تسرع الأزمنة سيحكم الرب على أمته ويرحم عبيده إذا أبصرهم قد ضعفوا وأغلق عليهم وذهبوا وذهب أواخرهم وقال أين آلهتهم التي يتقون ويأكلون من قربانهم ويشربون منه فليقوموا وليغيثوهم في وقت حاجتهم.

فتبصروا تبصروا أنا وحدي ولا إله غيري أنا أميت وأنا أحيي وأنا أمرض وأنا أبري ولا يتخلص شي من يدي فأرفع إلى السماء يدي وأقول بحياتي الدائمة لئن حددت رمحي كالصاعقة وابتدأت يميني بالحكم لا كافاني أعدائي وأهل السنان ولأسكرن نبلي دماً ولأقطعن برمحي لحوماً فأمد حوايا معشر الأجناس أمة فإنه سيأخذ بدماء عبيده وينتقم من أعدائهم ويرحم أرضهم

قال أبو محمد رضي الله عنه : هذه السورة التي أبيحت لهم وأمروا بحفظها وكتابتها لا ما سواها بنص توراتهم بزعمهم وقد بينا قبل أنهم لم يشتغلوا بعد موت سليمان عليه السلام لا بهذه السورة ولا بغيرها إلا مدة الملوك الخمسة فقط لاقدانهم عبدوا كلهم الأوثان وقتلوا الأنبياء وأخافوهم وشردوهم هذا ما لا يشك فيه كافر ولا مؤمن.

على أن هذه في السورة من الفضائح ما لا يجوز أن ينسب إلى الله عز وجل مثل قوله إن الله تعالى هو أبوهم الذي ولدهم وأنهم بنوه وبناته حاش لله من هذا وهل طرق للنصارى وسهل عليهم أن يجعلوا لله ولداً إلا ما وجدوا في هذه الكتب الملعونة المكذوبة المبدلة بأيدي اليهود وليس في العجب أكثر من أن يجعلهم أنفسهم أولاد الله تعالى وكل من عرفهم يعرف أنهم أو ضر الأمم وأبردهم طلعة وأغثهم مفاظع وأتمهم خبثاً وأكثرهم غشاً وأجبنهم نفوساً وأشدهم مهانة وأكذبهم لهجة وأضعفهم همة وأرعنهم شمائل بل حاش لله من هذا الاختيار الفاسد.

ومثل قوله في هذه السورة أنه تعالى حملهم على منكبيه.

ومثل قوله أنه قد قسم الأجناس من بني آدم وجعل قسمة الأجناس على حساب بني إسرائيل وجعلهم سهمه فهذا كذب ظاهر حاش لله منه لأن أولاد بني إسرائيل ثنتا عشر فعلى هذا يجب أن يكون أجناس بني آدم اثنتي عشر وليس الأمر كذلك فإن كان عني من تناسل من بني إسرائيل فكذب حينئذ أشنع وأبشع لأن عددهم لا يستقر على قدر واحد بل كل يوم يزيدون وينقصون بالولادة والموت هذا ما لا شك فيه فكل هذه براهين واضحة بأنها محرفة مبدلة مكذوبة فإن هي كذلك فلا يجوز البتة في عقل أحد أن يشهد في تصحيح شريعة ولا في نقل معجزة ولا في إثبات نبوة وبنقل مكذوب مفتري موضوع هذا ما لا شك فيه وقد قلنا أو نقول إن نقل اليهود فاسد مدخول لأنه راجع إلى قوم أتبعوا من أخرجهم من الذل والبلاء والسخرة والخدمة في عمل الطوب وذبح أولادهم عند الولادة وحال لا يصبر عليها كلب مطلق ولا حمار مسيب إلى العز والراحة والعافية والتملك للأموال وأن يكونوا آمرين مخدومين آمنين على أولادهم وأنفسهم ولا ينكر في مثل هذا الحال أن يشهد المخلص للمخلص بكل ما يريد منه ومع هذا كله فإن اتباعهم لموسى عليه السلام الذي أخرجهم من تلك الحالة إلى هذه الأخرى وطاعته له كانت مدخولة ضعيفة مضطربة.

وقد ذكر في نص توراتهم إذ عملوا العجل نادوا هذا إله موسى الذي يخلصهم من مصر ومرة أخرى أرادوا قتله وتصايحوا قدم على أنفسنا قائداً ونرجع إلى مصر ومع هذا كله قولهم إن السحرة عملوا مثل كثير مما عمل موسى وإن كل ذلك بيان ممكن بصناعة معروفة وفي هذا كفاية وهم مقرون بلا خلاف من أحد منهم أنه لم يتبع موسى أمة سواهم ولا نقلت لهم معجزة طائفة غيرهم وأما النصارى فعنهم أخذوا نبوة موسى ومعجزاته وأما سائر الأمم والملل كالمجوس والفرس والصابئين والسريانين والمنانية والسمنية والبراهمة والهند والصين والترك فلا أصلاً ولا على أديم الأرض مصدق بنبوة موسى وبالتوراة التي بأيديهم إلا هم ومن هو شعبة منهم كالنصارى.

وأما نحن المسلمون فإنما قبلنا نبوة موسى وهارون وداود وسليمان والياس واليشع عليهم السلام وصدقنا بذلك وآمنا بهم وإن موسى الذي أنذر بمحمد ﷺ لأخبار رسول الله ﷺ بصحة نبوتهم ومعجزاتهم فقط ولولا إخباره عليه السلام بذلك ما كانوا عندنا إلا كشموال وايراث وحداث وحقاي وحبقون وعدوا ويؤال وعاموص وعوبديا وميسخا وناحوم وصفينا وملاخي وسائر من تقر اليهود بنبوته كإقرارهم بنبوة موسى سواء بسواء ولا فرق بين طرق نقلهم لنبوة جميعهم ونحن لا نصدق نقل اليهود في شيء من ذلك بل نقول إنه قد كان لله تعالى أنبياء في بني إسرائيل أخبر بذلك الله تعالى في كتابه المنزل على نبيه الصادق المرسل فنحن نقطع بنبوة من سمي لنا منهم ونقول في هؤلاء الذين لم يسم لنا محمد ﷺ أسماءهم.

الله عز وجل أعلم إن كانوا أنبياء فنحن نؤمن بهم وإن لم يكونوا أنبياء فلسنا نؤمن بهم.

آمنا بالله وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله.

وهكذا نقر بنبوة صالح وهود وشعيب وإسماعيل وبأنهم رسل الله يقيناً ولا نبالي بإنكار اليهود لنبوتهم ولا بجهلهم بهم لأن الصادق عليه السلام شهد برسالتهم وأما التوراة فما وافقنا قط عليها لأننا نحن نقر بتوراةٍ حقٍ أنزلها الله تعالى على موسى عليه السلام وأصحابه لأنه تعالى أخبرنا بذلك في كتابه الناطق على لسان رسول الله ﷺ الصادق ونقطع على أنها ليست هذه التي بأيديهم بنصها بل حرف كثيرم منهم وبدل وهم يقرون بهذه التي بأيديهم ولا يعرفون التي نؤمن نحن بها وكذلك لا نصدق بشريعتهم التي هم عليها الآن بل نقطع بأنها محرفة مبدلة مكذوبة وهم لا يؤمنون بموسى الذي بشر بمحمد ﷺ وبرسالته وبأصحابه.

فاعلموا أننا لم نوافقهم قط على التصديق بشيء من دينهم ولا مما هم عليه ولا مما بأيديهم من الكتاب ولا بالنبي الذي يذكرونه لما قد أوضحناه من فساد نقلهم ووضوح الكذب فيه وعموم الدواخل فيه

قال أبو محمد رضي الله عنه : ونذكر إن شاء الله تعالى طرفاً مما في سائر الكتب التي عندهم التي يضيفونها إلى الأنبياء عليهم السلام من الفساد كالذي ذكرنا في توراتهم ولا خلاف في أن اهتبالهم بالتوراة كان أشد وأكثر أضعاف مضاعفة من اهتبالهم بسائر كتب أنبيائهم.

أما كتاب يوشع فإن فيه براهين قاطعة بأنه أيضاً تاريخ ألفه لهم بعض متأخريهم بيقين وأن يوشع لم يكتبه قط ولا عرفه ولا أنزل عليه.

فمن ذلك أن فيه نصاً فلما انتهى ذلك إلى دوسراق ملك بيوس التي بنى فيها سليمان بن داود بيت المقدس فعل أمراً ذكره

قال أبو محمد رضي الله عنه : ومن المحال الممتنع أن يخبر يوشع أن سليمان بنى بيت المقدس ويوشع قبل سليمان بنحو ستمائة سنة ولم يأت هذا النص في كتاب يوشع المذكور على سبيل الإنذار أصلاً إنما مساقه بلا خلاف منهم مساق الأخبار عنما قد مضوا.

وفيه قصة بشيعة جداً وهي أن عخار بن كرمي بن سذان بن شيلة بن يهوذا بن يعقوب عليه السلام غل من المغنم خيطاً أرجواناً وحق ذهب فيه خمسون مثقالاً ومائتا درهم فضة فأمر يوشع برجمه ورجم بنيه ورجم بناته حتى يموتوا كلهم بالحجارة وأمر بإحراق مواشيه كلها وحاش لله أن يحكم نبي بهذا الحكم فيعاقب بأغلظ العقوبة من لا ذنب له من ذرية لم تجن شيئاً بجناية أبيهم مع أن نص التوراة لا يقتل الأب بذنب الابن ولا الابن بذنب الأب.

فلابد ضرورة من أن يقولوا نسخ يوشع هذا الحكم فيثبتوا النسخ من نبي لشريعة نبي قبله وفي شريعة موسى أيضاً أو ينسبوا الظلم وخلاف أمر الله إلى يوشع فيجعلوه ظالماً عاصياً لله مبدلاً لأحكامه وما فيها حظ لمختار منهم وبالله تعالى التوفيق.

وفيه أن كل من دخل من بني إسرائيل الأرض المقدسة فإنهم كانوا مختونين وفيه أبناء تسعة وخمسين عاماً وأقل وإن موسى عليه السلام لم يختن ممن ولد بعد خروجه من مصر أحداً هذا مع إقرارهم أن الله تعالى شدد في الختان وقال من لم يختتن في يوم أسبوع ولادته فلتنف نفسه من أمته بمعنى فليقتل فكيف يضيع موسى هذه الشريعة الوكيدة حتى يختنهم كلهم يوشع بعد موت موسى بدهر.

ولقد فضحت بهذا وجه بعض علمائهم فقال لي كانوا في التيه في حل وارتحال فقلت له فكان ماذا فكيف وليس كما تقولون بل كانوا يبقون المدة الطويلة في مكان واحد.

وفي نص كتاب يوشع بزعمكم أنه إنما ختنهم إذ جازوا الأردن قبل الشروع في الحرب وفي أضيق وقت وختنهم كلهم حينئذ وهم رجال كهول وشبان وتركوا الختان إذ لا مؤنة في ختانهم أطفالاً تحمله أمه مختوناً كما تحمله غير مختون ولا فرق فسكت منقطعاً وأما الكتاب الذي يسمونه الزبور ففي المزمور الأول منه قال لي الرب أنت ابن اليوم ولدتك

قال أبو محمد رضي الله عنه : فأي شيء تنكرون على النصارى في هذا الباب ما أشبه الليلة بالبارحة.

وفيه أيضاً أنتم بنو الله وبنو العلي كلكم وهذه أطم من التي قبلها ومثل ما عند النصارى أو أنتن.

وفيه في المزمور الرابع وأربعين منه عرشك يا الله في العالم وفي الأبد قضيت العدل قضيت ملكك أحببت الصلاح وأبغضت المكروه وكذلك دهنك إلهك بزيت القرح بين إشراكك

قال أبو محمد رضي الله عنه : هذه سوأة الأبد ومضيعة الدهر وقاصمة الظهر وإثبات إله آخر على الله تعالى دهنه بالزيت إكراماً له ومجازاة على محبته الصلاة وإثبات إشراك الله تعالى وهذا دين النصارى بلا مؤنة ولكن إثبات إلهٍ دون الله وقد ظهر عند اليهود هذا علانية على ما نذكر بعد أن شاء الله تعالى وبعده بيسير يخاطب الله تعالى وقفت زوجتك عن يمينك وعقاصها من ذهب أيتها الابنة اسمعي وميلي بأذنيك وأبصر وآنسي عشيرتك وبيت أبيك فيهواك الملك وهو الرب والله فاسجدي له طوعاً

قال أبو محمد رضي الله عنه : ما شاء الله كان أنكرنا الأولاد فأتونا بالزوجة والأختان تبارك الله فما نرى لهم على النصارى فضلاً أصلاً ونعوذ بالله من الخذلان.

وفيه في المزمور الموفي مائة وسبعاً قال الرب لربي اقعد على يميني حتى أجعل أعداك كرسي قدميك

قال أبو محمد رضي الله عنه : هذا كالذي قبله في الجنون والكفر رب فوق رب ورب يقعد عن يمين رب ورب يحكم على رب ونعوذ بالله من الخذلان.

وفيه في المزمور السادس وثمانين منه يقول روح القدس لصيهون يقال رجل ورجل ولد فيها وهو الذي أسسها الرب العلي الذي خلقها عند مكتنه الأمة

قال أبو محمد رضي الله عنه : هذا دين النصارى الذي يشنعون به عليهم من أن الله ولد صهيون لو انهدمت الجبال من هذا ما كان عجباً.

وفيه في المزمور السابع وسبعين منه الرب قام كالمنتبه من نومه كالجبار الذي يقر به إثر الخمار كما يقوم الجريش وفيه اتقوا ربكم الذي قوته كقوة الجريش

قال أبو محمد رضي الله عنه : ما سمع في الحمق اللفيف ولا في الكفر السخيف بمثل هذا الفعل مرة يشبه قيام الله تعالى بالمنتبه من نومه وقد علمنا أنه لا يكون المرأ أكسل ولا أحوج إلى التمدد ولا أثقل حركة منه حين قيامه منه ومرة يشبهه بجبار ثمل وما عهد للمرأ وقت يكون فيه أنكد ولا أثقل عينين ولا أخبث نفساً ولا آلم صداعاً ولا أضعف عويلاً منه في حان الخمار ومرة يمثله بالجريش وما الجريش والله ما هو إلا ثور من الثيران بقرن في وسط رأسه حاش لله من هذه النحوس التي حق من يؤمن بها السوط حتى يعتدل دماغه ويحمق بالكل ويقذف الناس بالحجارة ويسقط عنه الخطاب ونعوذ بالله من البلاء.

وفيه من المزمور الحادي وثمانين قام الله في مجتمع الآلهة وقف آله العزة وسطهم.

وهذه حماقة ممزوجة بكفر سمج مجتمع الآلهة وقيام الله بينهم ووقوفه في وسط أصحابه ما شاء الله كان إلا أن هذا أخبث من قول النصارى لأن الآلهة عند النصارى من ثلاثة وهم عند هؤلاء السفلة الأراذل جماعة ونعوذ بالله من الخذلان.

وفيه في المزمور الثامن والثمانين من ذا يكون مثل الله في جميع بني الله.

وبعده يقول إن داود يدعوني والداً وأنا جعلته بكر بني وبعده إن عرش داود يبقى ملكه سرمداً أبداً

قال أبو محمد رضي الله عنه : هذه كالتي قبلها صارت الآلهة قبيلة وبنوا أب وكان فيهم واحد هو سيدهم ليس فيهم مثله والآخرون فيهم نقص بلا شك تعالى الله عن ذلك ونحمده كثيراً على نعمة الإسلام ملة التوحيد الصادقة التي تشهد العقول بصحتها وصحة كل ما فيها مع كذب الوعد في بقاء ملك داود سرمداً.

وفيها مما يوافق قول الملحدين الدهرية الناس كالعشب إذا خرجت أرواحهم نسوا ولا يعلمون مكانهم ولا يفهمون بعد ذلك

قال أبو محمد رضي الله عنه : وإن دين اليهود ليميل إلى هذا ميلاً شديداً لأنه ليس في توراتهم ذكر معاد أصلاً ولا لجزاء بعد الموت وهذا مذهب الدهرية بلا كلفة فقد جمعوا الدهرية والشك والتشبيه وكل حمق في العالم على أن فيه بما لم يطلقهم الله على تبديله وأبقاه حجة لنا عليهم ومعجزة لنبينا ﷺ.

وفي المزمور الحادي وستين منه أن العرب وبني سبا يؤدون إليه المال ويتبعونه وإن الدم يكون له عنده ثمن وهذه صفة الدية التي ليست إلا في ديننا وفيه أيضاً ويظهر من المدينة هكذا نصاً وهذا إنذار بين برسول الله ﷺ وأما الكتب التي يضيفونها إلى سليمان عليه السلام فهي ثلاثة واحدها يسمى شارهسير ثم معناه شعر الأشعار وهو على الحقيقة هوس الأهواس لأنه كلام أحمق لا يعقل ولا يدري أحد منهم مراده إنما هو مرة يتغزل بمذكر ومرة يتغزل بمؤنث ومرة يأتي منه بلغم لزج بمنزلة ما يأتي به المصدوع والذي فسد دماغه وقد رأيت بعضهم يذهب إلى أنه رموز على الكيميا وهذا وسواس آخر ظريف والثاني يسمى مثلاً معناه الأمثال فيه مواعظ وفيه أن قال قبل أن يخلق الله شيئاً في البدء من الأبد أنا صرت ومن القديم قبل أن تكون الأرض وقبل أن تكون النجوم أنا قد كنت استلمت وقد كنت ولدت وليس كان خلق الأرض بعد ولا الأنهار وإذ خلق الله السماواتقد كنت حاضراً وإذ كان يجعل للنجوم حداً صحيحاً ويدق بها وكان يوثق السماوات في العلو ويقدر عيون المياه وإذ كان يحدق على البحر تنجمه ويجعل للمياه نحى لئلا تجاوز جوزها وإذ كان يعلق أساسات الأرض أنا معه كنت مهيئاً للجميع

قال أبو محمد رضي الله عنه : فهل في الملحنة أكثر من هذا وهل يضاف هذا الحمق إلى رجل معتدل فكيف إلى بني إسرائيل وهل هذا الإشراك صحيح وحاش لله أن يقول سليمان عليه السلام هذا الكلام تالله ما عبط أهل الإلحاد بإلحادهم إلا هذا ومثله ورأيت بعضهم يخرج هذا على أنه إنما أراد علم الله تعالى

قال أبو محمد رضي الله عنه : ولا يعجز من لا حيأ له عن أن يقلب كل كلام إلى ما اشتهى بلا برهان ووصف الكلام عن موضعه ومعناه إلى معنى آخر لا يجوز إلا بدليل صحيح غير ممتنع المراد في اللغة والثالث يسمى فوهلث معناه الجوامع فيه إن قال مخاطباً لله تعالى اخترني أمير إلا أمتك وحاكماً على بنيك وبناتك وهذا كالذي سلف وحاش لله أن يكون له بنات وبنون لاسيما مثل بني إسرائيل في كفرهم في دينهم وضعفهم في دنياهم ورذالتهم في أحوالهم النفسية والجسدية.

وفي كتاب حزقيا يقول السيد سأمد يدي على بني عيسو وأذهب عن أرضهم الآدميين والأنعام وأفقرهم وأنتقم منهم على يدي أمتي بني إسرائيل

قال أبو محمد رضي الله عنه : وهذا ميعاد قد ظهر كذبه يقيناً لأن بني إسرائيل قد بادوا جملة وبنو عيسو باقون في بلادهم بنص كتبهم ثم بعد ذلك باد بنو عيسو فما على أديم الأرض منهم أحد يعرف أنه منهم وصارت بلادهم للمسلمين وسكانها لخم وغيرهم من العرب وبطل بذلك أن يدعوا أن هذا يكون في المستأنف وفي كتاب لشعيا أنه رأى الله عز وجل شيخاً أبيض الرأس واللحية وهذا تشبيه حاشا لنبي أن يقوله.

وفيه قال الرب من سمع قط مثل هذا أنا أعطي غيري أن يلد ولا ألد أنا وأنا الذي أرزق غيري أفأكون أنا بلا ابن

قال أبو محمد رضي الله عنه : هذا أطم ما سمع به أن يقيس الله عز وجل نفسه في كون البنين على خلقه وكل هذا أشنع من قول النصارى في إضافة الشرك والولد والزوجة إلى الله تعالى ونعوذ بالله من الخذلان

قال أبو محمد رضي الله عنه : لم نكتب مما في الكتب التي يضيفونها إلى الأنبياء عليهم السلام إلا طرفاً يسيراً دالاً على فضيحتها أيضاً وتبديلها وقد قلنا إنهم كانوا في بلد صغير محاط به ثم لا ندري كيف يمكنهم اتصال شيءٍ من ذلك إلى نبي من أنبيائهم لاسيما من لم يكن إلا في أيام كفرهم مخافاً ومقتولاً فصح بلا شك أنها من توليد من عمل لهم الصلوات التي هم عليها والشرائع التي يقرون أنها من عمل أحبارهم الثابتة إذ ظهر دينهم وانتشرت بيوت عبادتهم فصارت لهم مجامع يتعلمون فيها دينهم وعلماء يعلمونهم في كل بلد بخلاف ما أوضحنا أنهم كانوا عليه أيام دولتهم الأولى من كونهم كلهم كفاراً أميين من السنين وكونهم لا مسجد لهم أصلاً إلا بيت المقدس ولا مجمع بعلم لهم أصلاً ولا عالماً يعلمهم بوجه من الوجوه ولا جامع لشيءٍ من كتبهم والحمد لله رب العالمين ولو تقصينا ما في كتب أنبيئاهم من المناقضات والكذب لكثر ذلك جداً وفيما أوردناه كفاية

قال أبو محمد رضي الله عنه : وقد اعترض بعضهم فيما كان يدعي عليهم من تبديل التوراة وكتبهم والمضافة إلى الأنبياء قبل أن يبين لهم أعيان ما فيها من الكذب البحت فقال قد كان في مدة دولتهم أنبياء وبعد دولتهم ومن المحال أن يقر أولئك الأنبياء على تبديلها

قال أبو محمد رضي الله عنه : فجواب هذا القول أن يقال إن كان يهودياً كذبت ما في شيءٍ من كتبكم أنه رجع إلى البيت مع زربائيل بن صيلئال بن صدقياً الملك نبني أصلاً ولا كان معه في البيت نبي بإقرارهم أصلاً وكان ذلك قبل أن يكتبها لهم عزرا الوراق بدهر وقبل رجوعهم إلى البيت مع زربائيل مات دانيال آخر أنبيائهم في أرض بابل وأما الأنبياء الذين كانوا في بني إسرائيل بعد سليمان فكلهم كما بينا إما مقتول بأشنع القتل أو مخاف مطرود منفي لا يسمع منهم كلمة إلا خفية حاشا مدة الملوك المؤمنين الخمسة في بني يهوذا أو بني بنيامين خاصة وذلك قليل تلاه ظهور الكفر وحرق التوراة وقتل الأنبياء وهو كان خاتمة الأمر وعلى هذا الحال وافاهم انقراض دولتهم أيضاً فليس كل نبي يبعث بتصحيح كتاب من قبله فبطل اعتراضهم بكون الأنبياء فيهم جملة.

وإن كان نصرانياً يقر بالمسيح وزكريا ويحيى عليهم السلام قيل له إن المسيح بلا شك كانت عنده التوراة المنزلة كما أنزلها الله تعالى وكان عنده الإنجيل المنزل قال الله تعالى " ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ورسولاً إلى بني إسرائيل " إلا أنه عرض في النقل عنه بعد رفعه عارض أشد وأفحش من العارض في النقل إلى موسى عليه السلام فلا كافة في العالم متصلة إلى المسيح عليه السلام أصلاً والنقل إليه راجع إلى خمسة فقط وهم متى وباطره بن نونا ويوحنا ابن سبذاي ويعقوب ويهوذا أبناء يوسف فقط ثم لم ينقل عن هؤلاء إلا ثلاثة فقط وهو لوقا الطبيب الأنكاكي ومارقس الهاروني وبولس البنياميني وهؤلاء كلهم كذابون وقد وضح عليهم الكذب جهاراً على ما نوضحه بعد هذا إن شاء الله تعالى وكل هؤلاء مع ما صح من كذبهم وتدليسهم في الدين فإنما كانوا منتشرين بإظهار دين اليهود ولزوم السبت بنص كتبهم ويدعون إلى التثليث سراً وكانوا مع ذلك مطلوبين حيث ما ظفروا بواحد منهم ظاهراً قتل فبطل الإنجيل والتوراة برفع المسيح عليه السلام بطلاناً كلياً وهذا الجواب إنما كان يحتاج إليه قبل أن يظهر من كذب توراتهم وكتبهم ما قد أظهرنا وأما بعد ما أوضحنا من عظيم كذب هذه الكتب بما لا حيلة فيه فاعتراضهم ساقط لأن يقين الباطل لا يصححه شيءٌ أصلاً كما أن يقين الحق لا يفسده شيءٌ أبداً.

فاعلموا الآن أن ما عورض به الحق المتيقن ليبطل به أو عورض به دون الكذب المتيقن ليصحح به فإنما هو سغب وتمويه وإيهام وتخييل وتحيل فاسد بلا شك لأن يقينين لا يمكن البتة في البنية أن يتعارضا أبداً وبالله تعالى التوفيق.

فإن قيل فإنكم تقرون بالتوراة والإنجيل وتشهدون على اليهود والنصارى بما فيها من ذكر صفات نبيكم وقد استشهد نبيكم عليهم بنصها في قصة الراجم للزاني المحصن.

وروي أن عبد الله بن سلام ضرب يد عبد الله بن صوريا إذ وضعها على آية الرجم.

وروي أن النبي ﷺ أخذ التوراة وقال آمنت بما فيك.

وفي كتابكم " يا أهل الكتاب لستم على شيءٍ حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم ".

وفيه أيضاً " قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين " وفيه أيضاً " إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء " وفيه " وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون " وفيه " ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم " وفيه " يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقاً لما معكم ".

قلنا وبالله التوفيق كل هذا حق حاشا قوله عليه السلام آمنت بما فيك فإنه باطل لم يصح قط وكله موافق لقولنا في التوراة والإنجيل بتبديلهما وليس شيء منه حجة لمن ادعى أنهما

قال أبو محمد رضي الله عنه : أما إقرارنا بالتوراة والإنجيل فنعم وأي معنى لتمويهكم بهذا ونحن لم ننكرهما قط بل نكفر من أنكرهما إنما قلنا إن الله تعالى أنزل التوراة على موسى عليه السلام حقاً وأنزل الزبور على داود عليه السلام حقاً وأنزل الإنجيل على عيسى عليه السلام حقاً وأنزل الصحف على إبراهيم وموسى عليهما السلام حقاً وأنزل كتباً لم يسم لنا على أنبياء لم يسموا لنا حقاً نؤمن بكل ذلك قال تعالى " صحف إبراهيم وموسى " وقال تعالى " وإنه لفي زبر الأولين " وقلنا ونقول إن كفار بني إسرائيل بدلوا التوراة والزبور فزادوا ونقصوا وأبقى الله تعالى بعضه حجة عليهم كما شاء " لا يسأل عما يفعل وهم يسألون " " لا معقب لحكمه " وبدل كفار النصارى الإنجيل كذلك فزادوا ونقصوا وأبقى الله تعالى بعضها حجة عليهم كما شاء لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.

فدرس ما بدلوا من الكتب المذكورة ورفعه الله تعالى كما درست الصحف وكتب سائر الأنبياء جملة فهذا هو الذي قلنا وقد أوضحنا البرهان على صحة ما أوردنا من التبديل والكذب في التوراة والزبور ونورد إن شاء الله تعالى في الإنجيل وبالله تعالى نتأيد.

فظهر فساد تمويههم بأننا نقر بالتوراة والإنجيل والزبور ولم ينتفعوا بذلك في تصحيح ما بأيديهم من الكتب المكذوبة المبدلة والحمد لله رب العالمين.

وأما استشهادنا على اليهود والنصارى بما فيهما من الإنذار بنبينا ﷺ فحق وقد قلنا آنفاً أن الله تعالى أطلعهم على تبديل ما شاء رفعه من ذينك الكتابين كما أطلق أيديهم على قتل من أراد كرامته بذلك من الأنبياء الذين قتلوهم بأنواع المثل وكف أيديهم عما شاء إبقاءه من ذينك الكتابين حجة عليهم كما كلف أيديهم الله تعالى عمن أراد أيضاً كرامته بالنصر من أنبيائه الذين حال بين الناس وبين أذاهم.

وقد أغرق الله تعالى قوم نوح عليه السلام وقوم فرعون نكالاً لهم وأغرق آخرين شهادة لهم وأملى لقوم ليزدادوا فضلاً.

هذا ما لا ينكره أحد من أهل الأديان جملة وكان ما ذكرنا زيادة في أعلام النبي ﷺ الواضحة وبراهينه اللائحة والحمد لله رب العالمين.

فبطل اعتراضهم علينا باستشهادنا رسول الله ﷺ بالتوراة في أمر رجم الزاني المحصن وضرب بن سلام رضي الله عنه يد ابن صوريا إذ جعلها على آية الرجم فحق وهو مما قلنا آنفاً إن الله تعالى أبقاه خزياً لهم وحجة عليهم وإنما يحتج عليهم بهذا كله بعد إثبات رسالته ﷺ بالبراهين الواضحة الباهرة بالنقل القاطع للعذر على ما قد بينا ونبين إن شاء الله تعالى ثم نورد ما أبقاه الله تعالى في كتبهم المحرفة من ذكره عليه السلام إخزاء لهم وتبكيتاً وفضيحة لضلالهم لا لحاجة منا إلى ذلك أصلاً والحمد لله رب العالمين.

وأما الخبر بأن النبي عليه السلام أخذ التوراة وقال آمنت بما فيك.

فخبر مكذوب موضوع لم يأت قط من طرق فيها خير ولسنا نستحل الكلام في الباطل لو صح فهو من التكلف الذي نهينا عنه كما لا يحل توهين الحق ولا الاعتراض فيه.

وأما قول الله عز وجل " يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم " فحق لا مرية فيه وهكذا نقول ولا سبيل لهم إلى إقامتها أبداً لرفع ما أسقطوا منها فليسوا على شيء إلا بالإيمان بمحمد ﷺ فيكونون حينئذ مقيمين للتوراة والإنجيل كلهم يؤمنون حينئذ بما أنزل الله منهما وجداؤ عدم ويكذبون بما يدل فيهما مما لم ينزله الله تعالى فيهما وهذه هي إقامتهما حقاً فلاح صدق قولنا موافقاً لنص الآية بلا تأويل والحمد لله رب العالمين.

وأما قوله تعالى " قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين " فنعم إنما هو في كذب كذبوه ونسبوه إلى التوراة على جاري عادتهم زائد على الكذب الذي وضعه أسلافهم في توراتهم فبكتهم عليه السلام في ذلك الكذب المحدث بإحضار التوراة إن كانوا صادقين فظهر كذبهم.

وكم عرض لنا هذا مع علمائهم في مناظراتنا لهم قبل أن نقف على نصوص التوراة فالقوم لا مؤنة عليهم من الكذب حتى الآن إذا طعموا بالتخلص من مجلسهم لا يكون ذلك إلا بالكذب وهذا خلق خسيس وعار لا يرضى به مصحح ونعوذ بالله من مثل هذا.

وأما قوله تعالى " إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله " فنعم هذا حق على ظاهره كما هو وقد قلنا إن الله تعالى أنزل التوراة وحكم بها النبيون الذين أسلموا كموسى وهارون وداود وسليمان ومن كان بينهم من الأنبياء عليهم السلام ومن كان في أزمانهم من الربانيين والأحبار الذين لم يكونوا أنبياء بل كانوا حكاماً من قبل الأنبياء عليهم السلام ومن كان في أزمانهم من الربانيين والأحبار قبل حدوث التبديل.

هذا نص قولنا وليس في هذه الآية أنها لم تبدل بعد ذلك أصلاً لا بنص ولا بدليل.

وأما من ظن لجهله من المسلمين أن هذه الآية نزلت في رجم النبي ﷺ لليهوديين اللذين زنيا وهما محصنان فقد ظن الباطل وقال بالكذب وتأول المحال وخالف القرآن لأن الله تعالى قد نهى نبينا عليه السلام عن ذلك نصاً بقوله " وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً " وقال عز وجل " ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك "

قال أبو محمد رضي الله عنه : فهذا نص كلام الله عز وجل الذي ما خالفه فهو باطل.

وأما قوله تعالى " وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه " فحق على ظاهره لأن الله تعالى أنزل فيه الإيمان بمحمد ﷺ واتباع دينه ولا يكونون أبداً حاكمين بما أنزل الله تعالى فيه إلا باتباعهم دين محمد ﷺ فإنما أمرهم الله تعالى بالحكم بما أنزل في الإنجيل الذي ينتمون إليه فهم أهله ولم يأمرهم قط تعالى بما يسمى إنجيلاً وليس بإنجيل ولا أنزله الله تعالى كما هو قط والآية موافقة لقولنا وليس فيها أن الإنجيل لم يبدل لا بنص ولا بدليل إنما فيه إلزام النصارى الذين يتسمون بأهل الإنجيل أن يحكموا بما أنزل الله فيه وهم على خلاف ذلك.

وأما قوله تعالى " ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم " فحق كما ذكرناه قبل ولا سبيل لهم إلى إقامة التوراة والإنجيل المنزلين بعد تبديلهما إلا بالإيمان بمحمد ﷺ فيكونون حينئذ مقيمين للتوراة والإنجيل حقاً لإيمانهم بالمنزل فيهما وجحدهم ما لم ينزل فيهما وهذه هي إقامتهما حقاً.

وأما قوله تعالى " يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقاً لما معكم " فنعم هذا عموم قام البرهان على أنه مخصوص وأنه تعالى إنما أراد مصدقاً لما معكم من الحق لا يمكن غير هذا لأننا بالضرورة ندري أن معهم حقاً وباطلاً ولا يجوز تصديق الباطل ألبتة فصح أنه إنما أنزله تعالى مصدقاً لما معهم من الحق وقد قلنا أن الله تعالى أبقى في التوراة والإنجيل حقاً ليكون حجة عليهم وزائداً في خزيهم وبالله تعالى التوفيق فبطل تعلقهم بشيءٍ مما ذكرنا والحمد لله رب العالمين

قال أبو محمد رضي الله عنه : وبلغنا عن قوم من المسلمين ينكرون بجهلهم القول بأن التوراة والإنجيل اللذين بأيدي اليهود والنصارى محرفان وإنما حملهم على هذا قلة اهتبالهم بنصوص القرآن والسنن أترى هؤلاء ما سمعوا قول الله تعالى " يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون " وقوله تعالى " وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون " وقوله تعالى " وإن منهم لفريقاً يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله " إلى آخر الآية وقوله تعالى " يحرفون الكلم عن مواضعه " ومثل هذا في القرآن كثير جداً.

ونقول لمن قال من المسلمين إن نقلهم نقل تواتر يوجب العلم وتقوم به الحجة لاشك في أنهم لا يختلفون في أن ما نقلوه من ذلك عن موسى وعيسى عليهما السلام لا ذكر فيه لمحمد ﷺ أصلاً ولا إنذاراً بنبوته فإن صدقهم هؤلاء القائلون في بعض نقلهم فواجب أن يصدقهم في سائره أحبوا أم كرهوا وإن كذبوهم في بعض نقلهم وصدقوهم في بعض فقد تناقضوا وظهرت مكابرتهم ومن الباطل أن يكون نقل واحدٌ جاء مجيئاً واحداً بعضه حق وبعضه باطل فقد تناقضوا وما ندري كيف يستحل مسلم إنكار تحريف التوراة والإنجيل وهو يسمع كلام الله عز وجل " محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار " وليس شيءٌ من هذا فيما بأيدي اليهود والنصارى مما يدعون أنه التوراة والإنجيل فلابد لهؤلاء الجهال من تصديق ربهم جل وعز أن اليهود والنصارى بدلوا التوراة والإنجيل فيرجعون إلى الحمق ويكذبوا ربهم جل وعز ويصدقوا اليهود والنصارى فيلحقوا بهم ويكون السؤال عليهم كلهم حينئذ واحداً فيما أوضحناه من تبديل الكتابين وما أوردناه مما فيهما من الكذب المشاهد عياناً مما لم يأت نص بأنهم بدلوهما لعلمنا بتبديلهما يقيناً كما نعلم ما نشهده بحواسنا مما لا نص فيه.

وقد اجتمعت المشاهدة والنص.

حدثنا أبو سعيد الجعفري.

حدثنا أبو بكر الأرفوي محمد بن علي المصري.

ثنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل النحاس.

ثنا أحمد بن شعيب عن محمد بن المثني عن عثمان بن عمر.

ثنا علي هو ابن المبارك.

ثنا يحيى بن أبي كثير عن سلمة عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة رضي الله عنه قال.

كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية ويفسرونها لأهل الإسلام بالعربية فقال رسول الله ﷺ لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد

قال أبو محمد رضي الله عنه : وهذا نص قولنا والحمد لله رب العالمين. ما نزل القرآن والسنة عن النبي ﷺ بتصديق صدقا به.

وما نزل النص بتكذيبه أو ظهر كذبه كذبنا به.

وما لم ينزل نص بتصديقه أو تكذيبه وأمكن أن يكون حقاً أو كذباً لم نصدقهم ولم نكذبهم وقلنا ما أمرنا رسول الله ﷺ أن نقوله كما قلنا في نبوة من لم يأتنا باسمه نص والحمد لله رب العالمين.

حدثنا البخاري. ثنا إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف. أنا ابن شهاب بن عبيد الله بن عبد الله ابن عتبة بن مسعود قال ابن عباس. كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل على رسوله ﷺ حدث تقرؤنه محضاً لم يشب وقد حدثكم أن أهل الكتاب بدلوا كتاب الله تعالى وغيروه وكتبوا بأيديهم الكتاب وقد قالوا هو من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً

قال أبو محمد رضي الله عنه : هذا أصح إسناد عن ابن عباس رضي الله عنه عنه وهو نفس قولنا وماله في ذلك من الصحابة مخالف.

وقد روينا أيضاً عن عمر رضي الله عنه أنه أتاه كعب الحبر بسفر وقال له هذه التوراة أفأقرؤها فقال له عمر بن الخطاب إن كنت تعلم أنها التي أنزل الله على موسى فاقرأها آناء الليل والنهار فهذا عمر لم يحققها

قال أبو محمد رضي الله عنه : ونحن إن شاء الله تعالى نذكر طرفاً يسيراً من كثير جداً من كلام أحبارهم الذين عنهم أخذوا كتابهم ودينهم وإليهم يرجعون في نقلهم لتوراتهم وكتب الأنبياء وجميع شرائعهم ليرى كل ذي فهم مقدارهم من الفسق والكذب فيلوح أنهم له كانوا كذابين مستخفين بالدين وبالله تعالى التوفيق.

ولقد كان يكفي من هذا إقرارهم بأنهم عملوا لهم هذه

قال أبو محمد رضي الله عنه : ذكر أحبارهم وهو في كتبهم مشهور لا ينكرونه عند من يعرف كتبهم أن إخوة يوسف إذ باعوا أخاهم طرحوا اللعنة على كل من بلغ إلى أبيهم حياة ابنه يوسف ولذلك لم يخبره الله عز وجل بذلك ولا أحد من الملائكة.

فأعجبوا لجنون أمة تعتقد أن الله خاف أن يقع عليه لعنة قوم باعوا النبي أخاهم وعقوا النبي أباهم أشد العقوق وكذبوا أعظم الكذب فوالله لو لم يكن في كتبهم إلا هذا الكذب وهذا الحمق وهذا الكفر لكانوا به أحمق الأمم وأكفرهم وأكذبهم فكيف ولهم ما قد ذكرنا ونذكر إن شاء الله تعالى.

وفي بعض كتبهم أن هارون عليه السلام قال لله تعالى إذ أراد أن يسخط على بني إسرائيل يا رب لا تفعل فلنا عليك ذمام وحق لأن أخي وأنا أقمنا لك مملكة عظيمة

قال أبو محمد رضي الله عنه : وهذه طامة أخرى حاشا لهارون عليه السلام أن يقول هذا الجنون أين هذا الهوس وهذه الرعونة من الحق النير إذ يقول تعالى " يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين " وفي بعض كتبهم أن الصورتين اللتين أمر الله تعالى موسى أن يصورهما على التابوت خلف الحجلة في السرادق إنما كانتا صورة الله وصورة موسى عليه السلام معه تعالى الله عن كفرهم علواً كبيراً.

وفي بعض كتبهم أن الله تعالى قال لبني إسرائيل من تعرض لكم فقد تعرض حدقة عيني.

وفي بعض كتبهم أن علة تردد بني إسرائيل مع موسى في التيه أربعين سنة حتى ماتوا كلهم إنما كانت لأن فرعون كان بنى على طريق مصر إلى الشام صنماً سماه باعل صفون وجعله طلسماً لكل من هرب من مصر يحيره ولا يقدر على النفاد.

فأعجبوا لمن يجيز أن يكون طلسم فرعون يغلب الله تعالى ويجيز بتيه موسى ومن معه حتى يموتوا فأين كان فرعون عن هذه القوة إذ غرق في البحر.

وفي بعض كتبهم أن دينة بنت يعقوب عليها السلام إذ غصبها شكيم بن حمور وزنا بها حملت وولدت ابنة وأن عقاباً خطف تلك الفرخة الزنا وحملها إلى مصر ووقعت في حجر يوسف فرباها وتزوجها وهذه تشبه الخرافات التي يتحدث بها النساء بالليل إذا غزلن.

وفي بعض كتبهم أن يعقوب إنما قال في ابنه نفتال ايل مطلق لأنه قطع من قرية إبراهيم عليه السلام التي بقرب بيت المقدس إلى منف التي بمصر ورجع إلى قرية الخليل في ساعة من النهار لشدة سرعة لا لأن الأرض طويت له ومقدار ذلك مسيرة نيف وعشرين يوماً.

وفي بعض كتبهم مما لا يختلفون في صحته أن السحرة يحيون الموتى على الحقيقة وأن ههنا أسماءً لله تعالى ودعاء وكلاماً ومن عرفه من صالح أو فاسق أحال الطبائع وأتى بالمعجزات وأحيى الموتى وإن عجوزاً ساحرة أحيت لشاول الملك وهو طالوت شمؤال النبي بعد موته فليت شعري إذا كان هذا حقاً فما يؤمنهم أن موسى وسائر من يقرون بنبوته كانوا من أهل هذه الصفة ولا سبيل إلى فرق بين شيء من هذا أبداً.

وفي بعض كتبهم أن بعض أحبارهم المعظيمن عندهم ذكر لهم أنه رأى طائراً يطير في الهواء وأنه باض بيضة وقعت على ثلاث عشرة مدينة فهدمتها كلها.

وفي بعض كتبهم أن المرأة المدينة التي ذكر في التوراة التي زنى بها زمري بن خالو من سبط شمعون طعنه فنخاس بن العزار بن هارون برمحه فنفذه ونفذ المرأة تحته ثم رفعهما في رمحه إلى السماء كأنهما طائران في سفود وقال هكذا نفعل بمن عصاك قال كبير من أحبارهم معظم عندهم أنه كان تكسير عجز تلك المرأة مقدار مزرعة مدى خردل وفي كتبهم أن طول لحية فرعون كان سبعماية ذراع وهذه والله مضحكة تسلي الثكالى وترد الأحزان

قال أبو محمد رضي الله عنه : عن مثل هؤلاء فلينقل الدين وتباً لقوم أخذوا كتبهم ودينهم عن مثل هذا الرقيع الكذاب وأشباهه.

وفي بعض كتبهم المعظمة أن جباية سليمان عليه السلام في كل سنة كانت ستمائة ألف قنطار وستة وثلاثين ألف قنطار من ذهب وهم مقرون أنه لم يملك قط إلا فلسطين والأردن والغور فقط وأنه لم يملك قط رفج ولا غزة ولا عسقلان ولا صور ولا صيدا ولا دمشق ولا عمان ولا البلقا ولا مواب ولا جبال الشراة فهذه الجباية التي لو جمع كل الذهب الذي بأيدي الناس لم يبلغها من أين خرجت وقد قلنا أن الأحبار الذين عملوا لهم هذه الخرافات كانوا ثقالاً في الحساب وكان الحياء في وجوههم قليلاً جداً.

وذكورا أنه كان لمائدة سليمان عليه السلام في كل سنة إحدى عشر ألف ثور وخمسمائة ثور وزيادة وستة وثلاثين ألف شاة سوى الإبل والصيد فانظروا ماذا يكفي لحوم من ذكرنا من الخبز وقد ذكروا عدداً مبلغه ستة آلاف مدى في العام لمائدته خاصة واعلموا أن بلاد بني إسرائيل تضيق عن هذه النفقات هذا مع قولهم أنه عليه السلام كان يهدي كل سنة ثلثي هذا العدد من برٍ ومثله من زيت إلى ملك صور فليت شعري لأي شيء كان يهاديه بذلك هل ذلك إلا لأنه كفؤه ونظيره في الملك وهذه كلمات كذبات ورعونة لا خفاء بها وأخبار متناقضة.

وذكروا أنه كانت توضع في قصر سليمان عليه السلام كل يوم مائة مائدة ذهب على كل مائدة مائة صفحة ذهب وثلاثمائة طبق ذهب على كل طبق ثلاثمائة كأس ذهب فأعجبوا لهذه الكذبات الباردة.

واعلموا أن الذي عملها كان ثقيل الذهن في الحساب مقصراً في علم المساحة لأنه لا يمكن أن يكون قطر دائرة الصفحة أقل من شبر وإن لم تكن كذلك فهي صحيفة لا صحفة طعام ملك فوجب ضرورة أن تكون مساحة كل مائدة من تلك الموائد عشرة أشبار في مثلها لا أقل سوى حاشيتها وأرجلها.

واعلموا أن مائدة من ذهب هذه صفتها لا يمكن ألبتة أن يكون في كل مائدة من تلك الموائد أقل من ثلاثة آلاف رطل ذهب فمن يرفعها ومن يضعها ومن يغسلها ومن يمسحها ومن يديرها فهذا الذهب كله وذا الأطباق من أين.

فإن قيل أنتم تصدقون بأن الله تعالى أتاه ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده وأن الله سخر له الريح والجن والطير وعلمه منطق الطير والنمل وأن الريح كانت تجري بأمره وأن الجن كانوا يعملون له المحاريب والتماثيل والجفان والقدور.

قلنا نعم ونكفر من لم يؤمن بذلك وبين الأمرين فرق واضح وهو أن الذي ذكرت مما نصدق به نحن هو من المعجزات التي تأتي بمثلها الأنبياء عليهم السلام داخل كله تحت الممكن في بنية العالم والذي ذكروه هو خارج عن هذا الباب داخل في حد الكذب والامتناع في بنية العالم.

وفي بعض كتبهم المعظمة عندهم إن زارح ملك السودان غزا بيت المقدس في ألف ألف مقاتل وأن اسابن ابنا الملك خرج إليه في ثلاثمائة ألف مقاتل من بين يهوذا وخمسين ألف مقاتل من بني بنيامين فهزم السودان.

وهذا كذب فاحش ممتنع لأن من أقرب موضع من بلد السودان وهم النوبة إلى مسقط النيل في البحر نحو مسيرة ثلاثين يوماً.

ومن مسقط النيل إلى بيت المقدس نحو عشرة أيام صحارى ومفاوز ألف ألف مقاتل لا تحملهم إلا البلاد المعمورة الواسعة وأما الصحارى الجرد فلا ثم في مصر جميع أعمال مصر فكيف يخطوها إلى بيت المقدس هذا ممتنع في رتبة الجيوش وسيرة الممالك ومن البعيد أن يكون عند ملك السودان حيث يتسع بلدهم ويكثر عددهم اسم بيت المقدس فكيف أن يتكلفوا غزوها لبعد تلك البلاد عن النوبة وأما بلد النوبة والحبشة والبجاة فصغير الخطة قليل العدد وإنما هي خرافات مكذوبة باردة وفي كتاب لهم يسمى شعر توما من كتاب التلموذ والتلموذ هو معولهم وعمدتهم في فقههم وأحكام دينهم وشريعتهم وهو من أقوال أحبارهم بلا خلاف من أحد منهم ففي الكتاب المذكور أن تكسير جبهة خالقهم من أعلاها إلى أنفه خمسة آلاف ذراع حاش لله من الصور والمساحات والحدود والنهايات.

وفي كتاب آخر من التلموذ يقال له سادرناشيم ومعناه تفسير أحكام الحيض أن في رأس خالقهم تاجا فيه ألف قنطار من ذهب وفي اصبعه خاتم تضيء منه الشمس والكواكب وأن الملك الذي يخدم ذلك التاج اسمه صندلفوت تعالى الله عن هذه الحماقات.

ومما أجمع عليه أحبارهم لعنهم الله أن من شتم الله تعالى وشتم الأنبياء يؤدب ومن شتم الأحبار يموت أي يقتل.

فاعجبوا لهذا واعلموا أنهم ملحدون لا دين لهم يفضلون أنفسهم على الأنبياء عليهم السلام وعلى الله عز وجل ومن الأحبار فعليهم ما يخرج من أسافلهم وفيما سمعنا علماءهم يذكرونه ولا يتناكرونه معنى أن أحبارهم الذين أخذوا عنهم دينهم والتوراة وكتب الأنبياء عليهم السلام اتفقوا على أن رشوا بولس البنياميني لعنه الله وأمروه بإظهار دين عيسى عليه السلام وأن يضل أتباعهم ويدخلهم إلى القول بالإهيته وقالوا له نحن نتمحل إثمك في هذا ففعل وبلغ من ذلك حيث قد ظهر.

واعلموا يقيناً أن هذا عمل لا يستسهله ذو دين أصلاً ولا يخلو أتباع المسيح عليه السلام عند أولئك الأحبار لعنهم الله من أن يكونوا على حق أو على باطل لابد من أحدهما.

فإن كانوا عندهم على حق فكيف استحلوا ضلال قوم محقين وإخراجهم عن الهدى والدين إلى الضلال المبين هذا والله لا يفعله مؤمن بالله تعالى أصلاً.

وإن كانوا عندهم على ضلال وكفر فحسبهم ذلك منهم وإنما يسعى المؤمن ليهدي الكافر والضال وإما أن يقوي بصيرته في الكفر ويفتح له فيه أبواباً أشد وأفحش مما هو عليه فهذا لا يفعله أيضاً من يؤمن بالله تعالى قطعاً ولا يفعله إلا ملحد يريد يسخر بمن سواه فعن هؤلاء أخذوا دينهم وكتب أنبيائهم بإقرارهم.

فأعجبوا لهذا وهذا أمر لا نبعده عنهم لأنهم قد راموا ذلك فينا وفي ديننا فبعد عليهم بلوغ إربهم من ذلك وذلك بإسلام عبد الله بن سبأ المعروف بابن السوء اليهودي الحميري لعنه الله ليضل من أمكنه من المسلمين فنهج لطائفة رذلة كانوا يتشيعون في علي رضي الله عنه أن يقولوا بإلهية علي ونهج بولس لاتباع المسيح عليه السلام من أن يقولوا بإلهيته وهم الباطنية والغالية إلى اليوم وأخفهم كفراً الإمامية على جميعهم لعائن الله تترى وأشنع من هذا كله نقلهم الذي لا تمانع بينهم فيه عن كثير من أحبارهم المتقدمين الذين عنهم أخذوا دينهم ونقل توراتهم وكتب الأنبياء بأن رجلاً اسمه إسماعيل كان إثر خراب البيت المقدس سمع الله تعالى يئن كما تئن الحمامة ويبكي وهو يقول الويل لمن أخرب بيته وضعضع ركنه وهدم قصره وموضع سكينته ويلي على ما أخربت من بيتي ويلي على ما فرقت من بني وبناتي فأمتي منكسة حتى أبني بيتي وأردد إليه بني وبناتي.

قال هذا النذل الموسخ ابن الأنذال إسماعيل فأخذ الله تعالى بثيابي وقال لي أسمعتني يا بني يا إسماعيل قلت لا يا رب فقال لي يا بني يا إسماعيل بارك علي قال الجيفة المنتنة فباركت عليه ومضيت

قال أبو محمد رضي الله عنه : لقد هان من بالت عليه الثعالب والله ما في الموجودات أرذل ولا أنتن ممن احتاج إلى بركة هذا الكلب الوضر فأعجبوا لعظيم ما انتظمت هذه القصة عليه من وجوه الكفر الشنيع.

فمنها أخباره عن الله تعالى أن يدعو على نفسه بالويل مرة بعد مرة الويل حقاً على من يصدق بهذه القصة وعلى الملعون الذي أتى بها.

ومنها وصفه الله تعالى بالندامة على ما فعل وما الذي دعاه إلى الندامة أتراه كان عاجزاً هذا عجب آخر وإذا كان نادماً على ذلك فلم تمادى على تبديدهم وإلقاء النجس عليهم حتى يبلغ ذلك إلى إلقاء الحكة في أدبارهم كما نص في آخر توراتهم ما في العالم صفة أحمق من صفة من يتمادى على من يندم عليه هذه الندامة.

ومنها وصفه الله تعالى بالبكاء والأنين.

ومنها وصفه لربه تعالى بأنه لم يدر هل سمعه أم لا حتى سأله عن ذلك ثم أظرف شيء إخباره عن نفسه بأنه أجاب بالكذب وأن الله تعالى قنع بكذبه وجاز عنده ولم يدر أنه كاذب.

ومنها كونه بين الخرب وهي مأوى المجانين من الناس وخساس الحيوان كالثعالب والقطط البرية ونحوهما.

ومنها وصفه الله تعالى بتنكيس القامة.

ومنها طلبه البركة من ذلك المنتن ابن المنتنة والمنتن وبالله الذي لا إله إلا هو ما بلغ قط ملحد ولا مستخف هذه المبالغة الذي بلغها هذا اللعين ومن يعظمه وبالله تعالى نتأيد ولولا ما وصفه الله تعالى من كفرهم وقولهم يد الله مغلولة والله فقير ونحن أغنياء ما انطلق لنا لسان بشيء مما أوردنا ولكن سهل علينا حكاية كفرهم ما ذكره الله تعالى لنا من ذلك ولا أعجب من أخبار هذا الكلب لعنه الله عن نفسه بهذا الخبر فإن اليهود كلهم يعني الربانيين منهم مجمعون على الغضب على الله وعلى تلعيبه وتهوين أمره عز وجل فإنهم يقولون ليلة عيد الكبور وهي العاشرة من تشرين الأول وهي أكتوبر يقوم الميططرون ومعنى هذه اللفظة عندهم الرب الصغير تعالى الله عن كفرهم قال ويقول وهو قائم ينتف شعره ويبكي قليلاً قليلاً ويلي إذ خربت بيتي وأيتمت بني وبناتي فأمتي منكسة لا أرفعها حتى أبني بيتي وأردد إليه بني وبناتي ويردد هذا الكلام.

واعلموا أنهم أفردوا عشرة أيام من أول أكتوبر يعبدون فيه رباً آخر غير الله عز وجل فحصلوا على الشرك المجرد.

واعلموا أن الرب الصغير الذي أفردوا له الأيام المذكورة يعبدونه فيها من دون الله عز وجل هو عندهم صندلفون الملك خادم التاج الذي في رأس معبودهم وهذا أعظم من شرك النصارى.

ولقد وقفت بعضهم على هذا فقال ليس ميططرون ملك من الملائكة.

فقلت وكيف يقول ذلك الملك ويلي على ما خربت من بيتي وفرقت بني وبناتي وهل فعل هذا إلا الله عز وجل.

فإن قالوا تولى ذلك الملك ذلك الفعل بأمر الله تعالى.

قلنا فمن المحال الممتنع ندامة الملك على ما فعله بأمر الله تعالى هذا كفر من الملك لو فعله فكيف إن يحمد ذلك منه وكل هذا إنما هو تحيل منهم عند صك وجوههم بذلك.

وإلا فهم فيه قسمان.

قسم يقول أنه الله تعالى نفسه فيصغرونه ويحقرونه ويعيبونه.

وقسم يقول أنه رب آخر دون الله تعالى.

واعلموا أن اليهود يقومون في كنائسهم أربعين ليلة متصلة من إيلول وتشرين الأول وهما ستنبر وأكتوبر فيصيحون ويولولون بمصائب.

منها قولهم لأي شيءٍ تسلمنا يا الله هكذا ولنا الدين القيم والأثر الأول لم يا الله تتصمم عنا وأنت تسمع وتعمى وأنت مبصر هذا جزآ من تقدم إلى عبوديتك وبدر إلى الإقرار بك لم يا الله لا تعاقب من يكفر النعم ولا تجازي بالإحسان ثم تبخسنا حظنا وتسلمنا لكل معتد وتقول إن أحكامك عدلة.

فأعجبوا لوغادة هؤلاء الأوباش ولرذللة هؤلاء الأنذال الممتنين على ربهم عز وجل المستخفين به وبملائكته وبرسله وتالله ما بخسهم ربهم حظهم وما حقهم إلا الخزي في الدنيا والخلود في النار في الآخرة وهو تعالى موفيهم نصيبهم غير منقوص واحمدوا الله على عظيم منته علينا بالإسلام الملة الزهراء التي صححتها العقول وبالكتاب المنزل من عنده تعالى بالنور المبين والحقائق الباهرة نسأل الله تثبيتنا على ما منحنا من ذلك بمنه إلى أن نلقاه مؤمنين غير مغضوب علينا ولا ضالين

قال أبو محمد رضي الله عنه : هنا انتهى ما أخرجناه من توراة اليهود وكتبهم من الكذب الظاهر والمناقضات اللائحة التي لا شك معه في أنها كتب مبدلة محرفة مكذوبة وشريعة موضوعة مستعملة من أكابرهم ولم يبق بأيديهم بعد هذا شيء أصلاً ولا بقي في فساد دينهم شبهة بوجه من الوجوه والحمد له رب العالمين.

وإياكم أن يجوز عليكم تمويه من يعارضكم بخرافة أو كذبة فإننا لا نصدق في ديننا بشيء أصلاً إلا ما جاء في القرآن أو ما صح بإسناد الثقات ثقة عن ثقة حتى يبلغ إلى رسول الله ﷺ فقط وما عدا هذا فنحن نشهد أنه باطل واعلموا أننا لم نكتب من فضائحهم إلا قليلاً من كثير ولكن فيما كتبنا كفاية قاطعة في بيان فساد كل ما هم عليه وبالله تعالى التوفيق تم الجزء الأول من فصل الملل ويليه الجزء الثاني